Monday, April 9, 2012

أنا الآن امرأة...

    كعادتي تركت عيناي تعبثان بالنظر هنا و هناك من زجاج نافذة سيارة الأجرة... فمنذ طفولتي و عيناي لا تستطيعان مقاومة زجاج نافذة أي سيارة, و كأن تلك النافذة كرتي البلورية الخاصة التي تمكنني من اختلاس النظر إلى ذلك العالم العجيب الذي لا أستطيع سماعه بسبب صوت المذياع المرتفع الذي لم نعره اهتماماً "لا أنا و لا سائق السيارة الذي ظل يتصل و يجيب بكل أصدقائه ليتفقوا على مكان جسلة القات يوم الخميس". تجولت عيناي مع باعة الصحف و الفل و ألعاب الأطفال و المناديل و أشرطة الأغاني و ملابس الأطفال و ملابس الكبار و قنينات المياه المعدنية و إسفنجات الاستحمام و ماسحات السيارات و أشياء أخرى كثيرة لم أستطع و لم أُحاول أن أفهم ما هي, ثم أخذت أفقد التركيز و أنا أتتبع موجات الألوان الآتية من لوحات الإعلانات لأفيق على صوت بائعة متجولة و هي تستجدي قيمة غداء اليوم و هو ما يحدث يومياً في  دقائق انتظار السيارات للضوء الأخضر , أقصد إشارة شرطي المرور فأغلب الإشارات لا تعمل, و لا أدري إذا كانت معاناتي من فقدان التركيز تجعلني أهذي أو أنه بالفعل يتزامنُ بث الإذاعةلفقراتٍ عن إنجازات الحكومة في مكافحة الفقر و تمكين المرأة دائماً مع نقرات الأظافر المهترئة لهذه المتسولة أو تلك البائعة على زجاج نافذة سيارة الأجرة الذي عادةً ما يقوم سائقها بزجر السائلة


     طأطأتُ رأسي و حاولت أن أنشغل بالفراشات المرسومة على حقيبتي الحمراء و هي  عادةٌصاحبتني منذ طفولتي, فأنا دائماً أهربُ من انفعالاتي الساذجة لعادةٍ أكثر سذاجة كعد الفراشاتِ المرسومة فوق حقيبتي! و لكني عدت مشدودةً إلى النافذة أرقبُ سلسلة محلات الأزهار و أرادت عيناي أن تنفصلا عن وجهي و ترحلا صوب تلك الورود الجورية الندية, فاستسلمتُ لتلك النشوة التي طالماً اعتلتني لدى مشاهدة الورود الجورية و ليكتمل المشهد جاء صوت كاظم الساهر "هل عندك شكٌ أنكِ أحلى و أغلى امرأةٍ في الدنيا و أهم امرأةٍ في الدنيا؟" فضحكتُ بشدة و لكني سرعان ما كتمتُ ضحكتي فأنا لم أعد طفلة! فأنا الآن امرأة و لا أستطيع الضحك بصوتٍ عالٍ في سيارة الأجرة! الأمر و ما فيه هو أنني لم أستطع أن أُقاوم صورة نزار قباني " أنا أعني تلك الصورة الشهيرة عندما كان في العشرينات و هو يرتدي البذلة البنية التي تكسر حدة لون شعره الأشقر"و هو يقدمُ لي وردةً جورية حمراء و يسألني: هل عندك شك أن دخولك في قلبي هو أعظم يوم بالتاريخ وأجمل خبر في الدنيا هل عندك شك أنك عمري وحياتي وبأني من عينيك سرقت النار وقمت بأخطر ثوراتي؟" و أنا أُجيبه فوراً: عذراً فأنا أُفضل الورود البيضاء و لا أطيق الحمراء و بالطبع عندي شك!!!! و حينها تذكرت كلمات الكاتبة أحلام مسغانمي إننا كائنات نذرت عمرها للانتظار , حتى نسينا ما كنا ننتظر بالضبط في البداية , وحتى نسي من كنا

     ننتظرهم انتظارنا لهم" فيا تُرى في أي عمرٍ يصبحُ الغزلُ مضحكاً؟ و في أي عمرٍ تصيرُ الوردةُ الجورية أوراقاً سريعةَ التساقط محمولة على ساق من شوك؟ و كيف نذرتُ عمري للانتظار حتى نسيتُ ما كنتُ أنتظر و نسيني من كنتُ أنتظره؟
قاطعَ تساؤلاتي السائق الذي أخيراً توقف عن الحديث في هاتفه ليقول لي ها قد وصلنا.. دفعت أجرة رحلتي و مضيت متجاهلةً صوت الساهر و هو يكملُ يا امرأةً تكسِرُ حينَ تمُرُّ ، جدار الصوت... لا أدري ما ذا يحدث لي ؟

     جلستُ على عتبة المنزل و أنا يغمرني شوقٌ لضفائري و تنورة المدرسة الرمادية و كراستي الزرقاء التي كنت أكتب فيها قصائد نزار... لا أدري أين هي الكراسة و لا أدري ماذا حلّ بتنورتي, أما ضفائري فقصصتها و لم تنمو مجدداً... لا يهم فأنا صرتُ امرأة و ليس من اللائق أن تكون لي ضفائر! صعدتُ درج المنزل و أنا أدندن: "بيقولوا الوقت بيقتل الحب... حبوا بعضن تركوا بعضن... حبوا.. تركوا..." ثم توقفت عن الغناء و أنا أوبخ نفسي, يالني من خرقاء! دائماً أنسى أنهُ لم يعد بإمكاني الغناء في درج المنزل... أنا الآن امرأة!

سارة جمال علي أحمد
16/12/2010

1 comment:

  1. لا عادي مفيهاش حاجه غني على راحتك

    ReplyDelete