Tuesday, October 23, 2012

"جوازات سفر الماوري..."


                                           
نُشر في المصدر أون لاين و  صحيفة الأولى عدد الثلاثاء 23 أكتوبر 2012

تتعدد الألوان و الرموز و الخامات المختلفة المستخدمة في صناعة الأغلفة الجلدية أحياناً و الورقية أحياناَ أخرى.. كل مساحة اتخذ أهلها حدوداً لها على هذه الأرض سخروا بداخلها أيضاُ مساحة للألوان و الأغلفة و الرموز ليحملوا بعدها ما يسمى بجواز السفر... و عبثاَ يُطلق على جواز السفر: الهوية.

أمضى الفلاسفة و علماء الاجتماع و القانون و غيرهم آلاف السنين منذ عصر الإغريق و حتى الآن لتعريف "الهوية" و بالرغم من التهامي بشغف لكل مؤلف أقابله فأنا لم أجد تعريفاً للهوية إلا في أغنية لأحد الفرق الغنائية القادمة من البقعة الوحيدة في العالم التي يحمل سكانها جوازات سفر تقول أولى صفحاتها : "مجهول الهوية"... الفرقة هي فرقة "توت أرض" من الجولان الذي سلبه الاحتلال الصهيوني الهوية المكتوبة و لكن كباقي الأراضي المحتلة لم يسلبه المعنى الحقيقي للهوية...

كل ما سبق جال بخاطري و أنا أقرأ ما كتبه منير الماوري عن صديقتي و رفيقتي أطياف الوزير يوم أمس... و فكرت مراراً و تكراراً بكيفية الرد على ما قيل بالوسيلة الوحيدة التي أملكها و هي حروفي... وجدت نفسي لا إرادياً أتغنى بكلمات أحد أغاني "توت أرض" التي باتت أغانيها رمزاً للنضال السلمي ضد محاولات الاحتلال الصهيوني سلب الجولان هويته... تقول الأغنية: "فلتوني من الهوية.. فلتوني من العبودية.. أني بيتي سجرة خضرا و دولتي الكرة الأرضية" ... قد تختلف اللهجة اليمنية قليلاً فنسمي السجرة, شجرةً بالشين  و لكن تضل الشجرة بيت أطياف و دولتها الكرة الأرضية... ليس لجوازات سفرها التي أثارت حفيظة الماوري و لكن لقلبها الذي لم يحمل يوماَ هويةَ أضيق من الإنسانية...

أجلت كتابة هذا المقال عدة مرات حتى كدت أن أفوت موعد تسليمه لعلي أهدأ و أحاول أن أكون موضوعية في كتابتي.. لكني أخيراً توقفت عن المحاولة فكما يقول عالم الاجتماع ماكس فيبر, نحن نحاول أن نكون موضوعيين و لكن حتى في أقصى درجات المحاولة لا يمكننا الإفلات من خلفياتنا التي جئنا منها.. و لأن هويتي أنا كذلك ليست كلمة على جواز سفر, لا أستطيع التجرد من هويتي كإنسان و كامرأة حين أقرأ كل ذلك الحقد في سطور الماوري الظلماء..

الأخ منير الماوري,
هل تتحدد انتماءات المواطنين السياسية بحسب أسماء أسرهم؟ هل لأن أطياف ولدت لأسرة تحمل نسباً يتصل بأسرِ ذات مشروع معين, تصبح تلقائياً جزءً من هذا المشروع؟ هل تتقرر خياراتنا في الحياة بأسمائنا؟ مما يقودني إلى عبارة أضحكتني أكثر مما أغضبتني, هل تتحدد خيارات بلال زوج أطياف فرنسي الجنسية باسمه الذي ولد ليجده على "جواز سفره" و بالتالي كون اسمه بنجامين يصبح مباشرةً إسرائيلياً؟

أخي منير, كلامك جعلني أتسائل, هل كوني ابنة أبوين عدنيين جنوبيين, يجعلني تلقائياً جزءً من الحراك؟ هل لأن اسمي سارة و هو من أقدم الأسماء العبرية, أصبح تلقائياً إسرائيلية؟

قد أكون غضبت في أول وهلة قرأتُ فيها ما كتبت لأنني لم أفهم ما علاقة اختلافك في وجهة نظرك مع شخص بمن تزوج و جنسية من تزوج و كم جواز سفر يحمل و كم بلداً زار مع العلم أنك نفسك تركت هذا  البلد الذي تدعي النضال من أجله بينما تسكن أطياف هي و زوجها أحد  أبسط مساكنه في ظل الانقطاع المتواصل للماء و الكهرباء و صباحاتٍ و مساءاتٍ قضياها بين مساعدة جريح في المستشفى الميداني و شابات و شباب في خيام الاعتصام  للتوفيق بين الإصلاحي و الحراكي و الحوثي و المستقل و بين مخيمات النازحين و جامعة صنعاء المحتلة من قبل العسكر...

كامرأة أحسست بحنقٍ شديد و أنا أرى تحاملك على امرأة تزوجت بغير يمني و نحن نعرف عشرات الساسة و الدبلوماسيين من الرجال اليمنيين الذين تزوجوا بغير يمنيات و لكن كالعادة يظن أمثالك أن النساء وضعهن مختلف و يمكن لي ذراعهن بأي شيء حتى و إن كان هذا الشيء صائباً في عين الجميع إلا من غلف قلوبهم ظلام العصبويات العمياء.

بعد غضبي الشديد انتقلت إلى مرحلة الإحساس بالشفقة تجاهك.. قلت لنفسي من المؤلم أن يضطر شخص بهذا التفكير أن يعيش مع نفسه إلى الأبد... كيف تعيش مع نفسك و أنت جل همك النبش في حياة الناس الشخصية بحثاً عن أمور لايرى فيها أحدٌ خطأً سواك... كيف و أنت تصنع افتراضاتك بنفسك و تصدقها.. هل سمعت أطياف تردد شعار الموت لأمريكا و اللعنة على اليهود؟ أم أن سطحيتك التي جعلتك تصنف الناس بحسب شهادات ميلادهم لا تمنحك القدرة على التفرقة بين معارضة سياسة أمريكا و كراهية شعبها و معارضة الاحتلال الصهيوني و التعايش مع اليهودية كديانة؟ هل من الصعب أن تتقبل فكرة معارضة أطياف لطائرات الموت الأمريكية و حبها للشعب الأمريكي كسائر الشعوب؟ هل من الصعب أن تكون أطياف معارضة للاحتلال الصهيوني و في ذات الوقت لا تكره اليهود من غير الصهاينة المحتلين؟

أطياف لا تتمنى الموت لأمريكا يا أخي الكريم.. أطياف تنتقد سياسة أمريكا في بلدها.. نعم بلدها رغم أنفك.. من هم مثل أطياف يملكون فرص العيش في أي بقعة اختاروها, و لكنها اختارت البقاء بين ناس أحبوها و أحبتهم ليس لاسمها أو لورقة كتب عليها "الهوية" و إنما لأنها استمعت لأوجاعهم و نقلتها كما هي...

هل كل من يعترض على سياسة أمريكا الاستعلائية و قصفها لتراب هذا البلد و جرائم الحرب التي ارتكبتها في المعجلة و أبين و على رأسها اغتيالها لطفل أمريكي دون اعتذار يجب أن يخضع لتصنيفك الطائفي البغيض؟ 

غضبي ثم شفقتي تجاهك تحولا قبل كتابتي لهذا المقال إلى ابتسامة هادئة عندما مررت بشكل عابر على صورةٍ لأطياف و بلال من مكةَ المكرمة.. تأملتُ طويلاً في الصورة, و تذكرت أن لي في صداقة بلال و أطياف أسرة و رفقة و مثلٌ أعلى في العمل بصمت من أجل الإنسان... في صورتهما أجد هويتي و في ابتسامتهما أجد صوتي الذي يضيع أحياناً بين أصوات المدرعات في هذا البلد الذي يرأف بالجميع إلا بمن أحبه...

الأخ منير,

شكراً لأنك ذكرتنا جميعاً بصدق و قوة قضيتنا.. نحن لا نقبل بضربات الطيران الأمريكي و لا بالانتهاك الصارخ لسيادة هذا البلد من قبل البيت الأبيض.. نحن لا نقبل بتصريحات برينان الوقحة و التي وصفت ضربات الطائرات دون طيار بالأخلاقية! و نحن نعرف ببساطة أن تواطؤ نظام صالح مع السياسة الأمريكية لن يقضي على الإرهاب.. الإرهاب لن يقضي عليه سوى رغيف الخبز و الطريق المعبدة و المدرسة و الحقل و المصنع... أما الطائرات التي أغضبك هجوم أطياف عليها, فلن تزرع سوى الموت الذي سنجنيه نحن بينما تنتج أنت الحقد من وراء حاسوبك في أمريكا...

شكراً أنك ذكرتنا أن هويتنا هي الإنسانية.. الشجرة.. و ابتسامات الأطفال الذين تقف أطياف لتحيتهم كل صباح..

الأخ منير,
اقرأ لدرويش علك تفهم من الهوية ما هو أبعد من وريقات ما يكاد الماء يبللها, لتتلف:
"كل قلوبِ الناس جنسيتي.. فلتسقطوا عني جواز السفر.."


1 comment: