Friday, January 17, 2014

رسالة إلى الرئيس عبد ربه منصور هادي


نشر في صحيفة الشارع بتاريخ 16 يناير 2014

قبل أيام خرجت بحثاً عن هذا الهواء الذي كلما اشتكيت من ضيق ألم بي, انهمرت علي النصائح بأن "أشمه" و كأن جسدي الغارق في آلام لا يجب أن يعرفها في ربيعي الخامس و العشرين لن يجد خلاصه إلا في الهواء الذي لا أجد أثناء بحثي عنه سوى لسعات برد شتاء لم تعرفه اليمن منذ عشرين سنة و كأن سكان الرصيف لم يكن ينقصهم إلى هذا الزمهرير ليضيفوا إلى قرقرة البطون الخاوية صكيك الأسنان المنذرة بجثة جديدة لم تستطع تبرعات البطانيات تغطيتها. مشيت لأكثر من نصف ساعة و حين استسلمت لخلو مدينتي من الهواء المخلص من خيبات الأمل, اشتريت دفتراً و ركنته في درج مكتبتي منتظرة أوان فتحه الذي حان حينما قطع منبه الهاتف ساعات السلم الوحيدة في يومي و أفاقني من سباتي الذي تجاوزت نصف ساعات النهار ليقودني التاريخ المقيد على شاشة الهاتف للدرج لأكتب للرئيس عبد ربه منصور هادي.

أخي الرئيس:
اعتدت ضحك من حولي كلما خاطبتك بصوتٍ عال وسط خيالات الشموع في هذا البيت أو ذاك حيث تشبه الجدران بعضها في ظلام الخبطات التي عصت على دولتكم و هو الأمر الذي اخترت قانعة أن لا أفكر فيه لأن فكرة عدم قدرة دولة على حماية برجٍ كهربائي مرعبة و أنا أخاف كثيرا و لا أريد أن أضيف إلى كتاب مخاوفي فصلاً آخر. بالعودةِ إلى حديثنا, نعم أحدثك كثيراً كوني لا أرى ما يرى فيك الناس من عجز يُقرَنُ بالوضعين الإقليمي و الدولي المتحكمين بالبلد, فقد اعتدت على أن أخاطب الناس وفق توقعاتي منهم و حين صرت رئيساً توقعتك كذلك و لم أتوقعك وسيطا للآخرين في بلدك و على هذا الأساس أحدثك من وقت لآخر لأني أعلم جيداً أننا لا يمكن أن نسائل أحداُ إلا إذا اعتبرناه مسؤولا في بادئ الأمر.

لم أفكر أبداً في كتابة النقاش من طرف واحد معك حتى اشتريت هذا الدفتر, و اليوم قررت أن أكتب روايتي الخاصة لما توقعته منك في فبراير 2012 و ما وصلنا إليه اليوم. لطالما آمنت أن الصمت يمنحنا القدرة على تكوين رؤية أفضل, لذا أظنك استطعت أن ترى المشهد في يناير 2011 بطريقة أوضح من الجميع و أن تسمع أصوات شابات و شباب هذا البلد التي اخترقت كل عزلة, أظنك أيضاً لحظت اغتيال تلك الأصوات في الحادي و العشرين من مارس 2011 و كأنها أهم فصول المسرحية الدخيلة التي كتبها طائر الخراب لخلق نزاع مسلح زينه ساسة هذا البلد للعالم على أنه احتراب الشعب مع الشعب لا العسكر مع العسكر تمهيداً لاقتسام البلد مرة أخرى لحساب ال 1% من سلطة و معارضة شريكة لها و كأن ال 99% الباقية من هذا الشعب يعيشون ذات القدر منذ منتصف القرن الماضي الذي لم تكن مبادرة نوفمبر 2011 إلا آخر أوراق ابتزازه.

أظنك شاهدتهم و هم يرشون دماءنا و عرقنا و دموعنا على أوراق حرسها الإقليم و العالم في الرياض, و لكنك أيضاً شاهدت الشعب يحمل ما تبقى لديه صوبك في فبراير 2012 ليسمو فوق أكذوبة النزاع المسلح رغبةً في سلم يمكنه من جمع ما تبقى من حلم العدالة الاجتماعية و برغم صمتك إلى جانب طائر الخراب الراقص على رؤوس الثعابين وجد فيك حنكة استنجد فيها ضد الثعابين المتناحرة.

أكتب لك و أنا أعرف أن دواوين قصور المُلك تتسع للجميع عداي و غيري من ال 99% إلا أني لم أعتد هجر الدفاتر الجديدة فوحدها هي تقتل ما أفرغ هذا البلد من كل شيء, كل شيء حتى الهواء!

في فبراير 2012 أدليت بصوتي لك في أول مرة أقصد فيها مركز اقتراع بالرغم من ادخاري لهذا الصوت لانتخاباتٍ نزيهة كانت أقل ما يمكن أن أشهده بعد أن دفنت رفاق الدرس واحداً تلو الآخر برصاص الأمن المركزي. دسست الورقة في الصندوق و أنا أرقب النسوة اللاتي تركن قراهن للتصويت لك يقصدونك من أجل السلم الذي تغنت به التظاهرات السلمية التي كانت تفيض بين قذائف الفرقة الأولى مدرع و الحرس الجمهوري هاتفة مدنية مدنية لا للحرب الأهلية, انحاز لك الناس لتنحاز للتنور و المعول و القلم و الطريق المعبدة و حبة الدواء, و لم ينحازوا لك إيماناً بكتالوج الأمم المتحدة. انحاز لك الشعب لترى في مدينتك أبين جنة للجنوب لا لأن تصف الطائرات الأمريكية التي تقتل قاطنيها بأعظم اختراع عرفته البشرية, اختارك لتخلص هذا الشعب من كهنوت التطرف المسلح بالتيار الكهربائي و مياه الشرب و المدارس و المستشفيات, اختارك لتعيد لشعب الجنوب الأرض المغتصبة و الوظيفة الحكومية التي يستجديها أبناء الجنوب في ذل ليس كمثله ذل و أنت تجاهلت النقاط العشرين التي كانت ستعيد للجنوبين الثقة في الوحدة التي ناضلوا هم من أجلها قبل غيرهم. أبناء الجنوب الذين خرجوا سلميين في 2007 قبل أن يعرف الإعلام الربيع العربي, لنسقط في 14 يناير 2014سهواً من تقرير الجزيرة الناطقة باللغة الانجليزية عن الثورات و كأن هذا البلد غير مرئي و كأن شعبه لم يكن و لن يكون. انحاز لك الناس آملين في أن تعوض صمت السنين الست بمصابيح و طرقات و كتب تمحو قسوة الحرب عن مُحيّا أطفال صعدة و لكنك تركتها لمليشيات مسلحة تستورد لبنان الحرب الأهلية. اختارك الشعب لتنتصر له و للمدنية و المواطنة المتساوية و أن تفرض هيبة الدولة على أي نزاع مسلح دخيل, إلا أننا شهدنا تطهيراً طائفي لم يعرفه أهل اليمن حتى في أقسى الحروب ليسطر طرف ثيوقراطي على جزء من الأرض دافعاً بالثيوقراطي الآخر نحو الالتحاق بمسلحين كأولئك الذين أعدموا الطبيبات و الأطباء و الممرضات و الممرضين في مستشفى العرضي. اختارك الشعب خوفاً مما ألنا إليه اليوم و هرباً من سلاح الرياض و طهران, اختارك الشعب ليشعر المركز بوجع الأطراف في عدن و أبين و الضالع و تعز المكلا و مأرب و الجوف و صعدة و رداع و وصاب و غيرها من المنسيات التي بدلاً من أن تلحق بصنعاء, بتنا نرى صنعاء هي التي تلحقها باستثناء مقاطعة الموفنبيك الأممية التي بات أسمنتها أشد صمماً من إسمنت قصر الرئاسة.



أخي الرئيس:

أشك أنك ستقرأ ما كتبت و أعلم أن دفتري سيلاقي حتفه كسابقيه حين يحل موعد النزوح القادم من حربٍ لا شأن لنا بها كالعادة. و لكن, إن حدثت معجزة و فررت من قصرك بحثاً عن هواءً كذلك الذي أبحث عنه, و قادتك قدماك لابتسامة طفلة تبيع الجريدة لشراء رغيف تقتسمه مع خمسة غيرها, اقرأ رسالتي في الشارع بين عبق تنور من صوتن لك و رائحة الهريسة التي يجول بها الباعة الذين اختاروك و أصوات مواطير الكهرباء التي عليك أن تصارعها لتستمر في القراءة فما زال هناك متسع من الوقت لتستمع لل 99% الذين لن يوصل كتالوج الأمم المتحدة أصواتهن و أصواتهم إليك